أثبتت الدراسات التي أعدتها منظمة الصحة العالمية منذ عام 2007 أن تحسين نوعية العناية التمريضية هو السبيل الى تعزيز صحة الانسان والعائلة والمجتمع وتخفيض الكلفة الاستشفائية والحد في الاخطاء الطبية. يصبّ مشروع بناء القدرات التمريضية في قلب الجهود التي تقوم بها نقابة الممرضات والممرضين في لبنان منذ عام 2013 من أجل نشر ثقافة التعليم المستمرّ على الصعيد الوطني. إنّ التعليم المستمرّ في التمريض يساهم في تقوية الممرضات والممرضين وتعزيز قدراتهم لمواجهة مختلف التحديات التي تواجههم على الصعيد الفني والشخصي في نطاق المهنة.
لذلك، وضعنا خطةً وطنية تهدف الى 1) تحسين نوعية العناية التمريضية، 2) الحدّ من الأخطاء الطبية، و3) ضمان الكفاءة واستدامة الآداء والممارسة التمريضية الآمنة المبنية على البراهين العلمية. وبدأت النقابة، عام 2014، بإعداد دراسة وطنية شملت 6.000 ممرض/ة على تماس مباشر مع المرضى من كافة المستشفيات الخاصة والحكومية في لبنان، وذلك لتحديد الاحتياجات التعلّمية ومجالات المعرفة والمهارات.
وبناءً على نتائج الدراسة التي عبّر من خلالها المشاركون عمّا يرغبون في تعلّمه من مهارات تمريضية، وضعنا برنامج مفصل لبناء القدرات يتمحور حول الفحص الصحي وكيفية ادارة المشاكل لكافة اجهزة الجسم.
وخلال تنفيذ مشروع "لقاء في كل قضاء"، حيث قمنا بزيارة مختلف الأقضية اللبنانية، التمست النقابة في الممرضات والممرضين المحلّيين الذين قدّموا العناية للمواطنين، الشغف الكبيرعند تأدية عملهم. فمعظمهم كانوا يمتلكون "قلب الممرض" ويتمتّعون بالحماس والرغبة في اكتساب معارف مهارات تمريضية جديدة.
واعتبروا أنّ التدريب المستمرّ يؤدي إلى تعزيز الثقة بالنفس عند الممرضين/ات عند تأدية المهمّات المعقّدة من جهة وإلى رفع مستوى الرضا عند المرضى من جهة أخرى.
إنّ هذا الأمر كان بمثابة تحفيز للنقابة للتّعمّق أكثر حول كيفية بناء مشروع يستفيد منه أكثر من 8000 ممرض وممرضة من كافة المستشفيات اللبنانية ويكون ذات فعالية عالية.
وجدت النقابة سببيْن أساسييْن خلف تفاوت نوعية العناية التمريضية في المؤسسات الصحية وهي:
• نوعية التعليم المستمر (Continuing Nursing Education) وتفاوته بين المناطق اللبنانية وخاصة الأطراف
• إختلاف وتنوّع برامج تعليم العناية التمريضية (الأمر الذي يعتبر أحد أهم العوائق أمام توحيد معايير التعليم في مهنة التمريض)
هنا كانت الحاجة إلى خطة استراتيجية تتضمّن إلزامية التعليم المستمرّ وبناء القدرات التمريضية باعتبار أنّ الكفاءة والجدارة هما أساس العناية التمريضية ذات النوعية العالية ويجب أن يتوفرا عند جميع العاملين في التمريض وفي جميع المناطق على حد سواء.
ماهية المشروع وهيكلية العمل
إنّ المشروع الوطني لبناء القدرات التمريضية هو تدريب وتطوير مهني من النواحي العلمية والعملية يستمر لمدة 3 سنوات ويهدف الى إعداد مدربين من كافة المستشفيات حول التقييم الصحي وإدارة العناية التمريضية، قبل توزيعهم على كافة المناطق كي يدرّبوا زملائهم في التمريض.
أما التدريبات فترتكز على تطوير المهارات والتقنيات التمريضية الأساسية كمهارات التواصل والسلوك المهني بالإضافة الى الممارسة الأخلاقية. أما المواضيع التي وضعتها لجنة خبراء في النقابة فتوزعت حول الفحص السريري وكيفية تقييم وإدارة الإحتياجات في: أمراض الجلد، الجهاز التنفسي، جهاز القلب والأوعية الدمويَة، جهاز الكلى والمسالك البوليَة، الجهاز العصبي، جهاز الغدد الصَماء، الجهاز الهضمي، والجهاز العظمي. كما تتمّ متابعة عملهم وتقييم النتائج ضمن معايير واجراءات حدّدتها لجنة الخبراء في النقابة. ويهدف المشروع الى تعزيز رضى الممرضات والممرضين واستبقائهم في عملهم من جهة ويساعد المستشفيات على تعزيز وتطوير خدماتها من جهة أخرى.
الوضع الحالي
في المرحلة الأولى من بدء تنفيذ المشروع، اختار مكتب مجلس النقابة الخبراء الذين يتمتعون بالخبرات الفنية والبحثية لوضع الوحدات التعليمية وتدريب المدرّبين وفقاً للمواضيع المحددة. وفي المرحلة الثانية اختارت لجنة التعليم المستمرّ في النقابة المدرّبين وعددهم يفوق ال-200 ممرض وممرضة لديهم خبرة لا تقلّ عن ال-5 سنوات ويتمتعون بالقدرة على التدريب، وذلك بالتعاون مع مدراء التمريض في المستشفيات.
وفي المرحلة التمهيدية للمشروع، بدأ العمل على تدريب المدرّبين (Train the Trainer) بحيث استقبلت نقابة المستشفيات الخاصة في لبنان أول دفعة من المدرّبين في مقرها في شهر تموز 2017 وكان العمل حول أسس التواصل الفعّال وسلامة المرضى. أما الدورة الثانية فكانت في مقرّ النقابة في شهر آب 2017، وكان العمل حول أسس التدريب.
وستنطلق النقابة إلى الشمال، والبقاع، والجنوب، وجبل لبنان وبيروت، أي إلى المناطق الجغرافية للمدربين، للبدء بالتدريب حول المواضيع والوحدات المحددة، على أن تبدأ بشهر أيلول الوحدة الأولى حول الجهاز القلبي. كما يتخلّل المشروع عملية تقييم أولي لتحديد مكامن القوة والضعف لتطوير وتحسين مسار البرنامج. وفي المراحل الأخيرة من البرنامج سيتمّ وضع خطة، تحت إدارة النقابة، مع مدراء التمريض والمدربين لتدريب كافة الزملاء الممرضات والممرضين على المستوى الوطني، قبل المباشرة بتقييم تأثير البرنامج على نوعية العناية التمريضية في لبنان.